الجمعة، 8 أبريل 2011

العنوسة ، ظروف وملابسات

إن سن الزواج في ارتفاع وهو ما يعرف بالعنوسة . و العنوسة لم تكن مشكلة اجتماعية بارزه في مجتمعنا في الماضي القريب بل تكاد تكون محدودة وهامشية وإذا وجدت فتأخذ طابعا شبه اشتثنائ ومعزول.و بالنظر الى التطورات التى سوف نناقشها بصورة إجمالية هى تطورات محمودة وإيجابية الطابع فانتشار التعليم و ارتفاع المستوى المادي كلها أمور تبدو وللوهلة الأولى تطورات من شانها أن تيسر الزواج . فالتعليم مثلا من المفروض أن يجعل الزواج ايسر بحكم أن العلم نور تسري فوائده الى حل المعضلات والزواج أحدها . كما أن ارتفاع المستوى المعيشي من المفروض كذلك أن يكون عونا في هذا الشان إلا أن الملحوظ غير ذلك . فالمستوى المادي المرتفع زاد من العنوسة على الرغم أن الباءة الموصى عليها في الحديث الشريف المعروف ” يا معشر الشباب من استطاع منكم الباءة فليتزوج” ترتبط ارتباطا مباشرا بالقدرة المادية والارتفاع المستوى المعيشي من المفروض أن يكون عونا على الباءه المذكورة. وارتفاع مستوى الدخل تمثل بالقدرة على شراء الكماليات الحياتية المختلفة من سيارات و خدم وسائقين وغير ذلك من المظاهر الاستهلاكية ولكن الزواج ظل بعيدا عن هذه المعادلة المحيرة والمثيرة للاستغراب . أليس من المفروض أن ينعكس اثر التعليم والمستوى المادي المرتفع على التفكير الاجتماعي وبالتالي يخفف من مشكلة العنوسة في مجتمعنا ؟.

و من وجهة نظري الشخصية أن نظرتنا الى الزواج تغيرت كثيرا بحكم التطورات التى مررنا بها العنوسة كمشكلة هي ترجمة لهذا التحور والتطور على الرغم من أننا لنا خصوصية اجتماعية متميزة نفخر بها كعرب ومسلمين تتمثل بما يلي:

· باستحالة لقاء الشاب أو الفتاه خارج مظلة الزواج فنحن مجتمع عربي مسلم له تراثه العريق الضارب في جذور التاريخ و الذي يأبى وبكل فخر أي تسيب في أمور المحافظة على العرض والشرف ومن هنا يبرز تميزنا عن غيرنا من المجتمعات التى لا ترى في لقاء الفتى والفتاة أي بأس أو مشكلة ولعل من الغريب أن الزواج في هذه المجتمعات المنفلتة العيار سهل بطريق تدعو للعجب فالأمر لا يتطلب اكثر من الذهاب الى مكتب خاص بهذا لغرض واخذ قسيمة الزواج بدقائق معدودات بينما يكاد يجمع المسلمون على اختلاف أقطارهم على تعقيد الزواج بطرق عجيبة وتحت ذرائع متعددة وكان المجتمعات المسلمة جعلت من محاربة الزواج والتضييق على المتزوجين ديدنا غالبا بطريق تدعو للتأمل والتفكير على الرغم من أن الشريعة الغراء أوضحت وبطريقة لا تقبل اللبس على ضرورة تيسير هذه الفريضة و محاربة كل ما يعيقها أو يحول دون إتمامها.

· العامل الجغرافي المتمثل بالجو الصحراوي الحار والذي يسرع عملية النضج والبلوغ عند الذكر والأنثى كما يسرع كذلك الهرم والشيخوخة وباختصار نحن ننضج بسرعة ونهرم بسرعة. لذا فلا عجب أن يتم الزواج في مجتمعات أسلافنا بسن مبكرة مقارنة بمتوسط سن الزواج الحالي والذي هو في ارتفاع متزايد.

· نظرتنا المتميزة للزواج والمتمثلة بكونه رابط اجتماعي سامي تتقارب به الأسر والعائلات و وسيلة راقية من وسائل التكافل الاجتماعي المبارك فالزواج ليس صورة رومانسية حالمة و حسب وانما وسيلة من وسائل الستر الاجتماعي و من هنا تبرز الحاجة الى ضرورة أن تشمل مظلة الزواج كذلك بعض النسوة أو الرجال الذين قد تقسو عليهم الظروف بالطلاق أو الترمل وما يتبع ذلك من أطفال قد يتطلب الأمر أعالتهم والحدب عليهم و تربيتهم ومن هنا بنظر المجتمع الى هذه النوعية من الزيجات بالتقدير والاحترام بل والدعم والتأييد كما أن الشريعة السمحاء تنظر الى ذلك كنوع من أنواع العبادة والتقرب الى الله لما في ذلك من تضحيات سامية ونكران للذات وصبر و مصابرة .

فالزواج العبادة هو ما نحتاج أن زرعه في أذهاننا و اذهان أبنائنا وبناتنا وهو تصور مفرط بالبساطة ولو انه ساد و بطريقة فعالة لانكمشت العنوسة و لزالت الكثير من العقبات الطبيعية والمصطنعة التى اجتهدنا بوعي منا أو بغير وعي بوضعها أمام الزواج وتحت ذرائع شتى . ولانعكس ذلك على كثير من خططنا و تخطيطنا سواءا على المستوى الشخصي أو التخطيط العام والمتمثل في الأنشطة التنموية والتي ينبغي أن تضع في المقام الأول الخصوصية الحضارية و الإنسانية بطريقة اكثر وضوحا وشمولا.

دعونا نأخذ مثلا التعليم والاستراتيجية التعليمية باعتبارها أحد المظاهر التنموية البارزة والتي على الرغم من الجهود المشكورة والإنجازات العديدة التى قام بها والتي ينبغي أن لا نبخسها حقها من التقدير والاحترام إلا أن هذا لا يعنى أنها لا ينبغي أن يعاد النظر في تأثيرها على الزواج .. الفريضة .. نصف الدين. أليس من العجيب أن يكون التعليم عذرا أو عائقا للزواج ؟ أليس عجيبا أن يكون حجة تتذرع بها الفتاة أو الشاب للهروب من عبادة الزواج. و اليس غريبا أن يرتفع سن الزواج الى معدلات قياسية لم تكن بالبال أو الخاطر و لم تدر في خلد الآباء والأجداد والذين جعلوا الزواج المبكر هو السلاح الفعال لمقاومة العنوسة كما جعلوا تيسير الزواج عرفا اجتماعيا و مروءة خلقية بدلا من التنطع بالمواصفات . ومن هنا تبرز الحاجة الى تقييم العملية التعليمية من ناحيتين :

الناحية الأولى إعادة النظر في المراحل التعليمية المختلفة و تدرجها فالسنوات الزاهية من عمر الشاب والفتاة تمر بحجة التعليم وبناءا على ما ذكر من خصوصية حضارية وبيئية تقتضي الإحصان السريع والعاجل ومن هنا يكتسب العامل الزمني أهمية خاصة فلو استطعنا اختزال سنين التعليم و بدأنا التعليم النظامي _ على سبيل المثال _ من سن الرابعة بدلا من سن السادسة لأمكننا أن نوفر سنتين ثمينتين من متوسط سن الزواج والآخذ بالارتفاع ولربما استطعنا أن نزيل ما يسمى بمرحلة “المراهقة” من قاموسنا الاجتماعي والتربوي وهذا المصطلح الجديد لم يعرفه أسلافنا ولم تعرفه جداتنا .. ولم نره في كتب أسلافنا .. ترى من أين آتانا ؟

كما يمكننا أن نعيد النظر الى العديد من البرامج والتي تهمل هذه النقطة_ الزمن _ والتي يبدو أننا نسيناها أو تناسيناها لأسباب غير مقنعة . أن تكويننا الخاص و ظروفنا الخاصة و تصورنا الخاص والذي يحرص اشد الحرص على التأهيل المبكر للأبناء والبنات في تحمل المسؤوليات الاجتماعية والاقتصادية ومنها الزواج . ولماذا نذهب بعيدا فها هو عبد الله بن عباس رضوان الله عليه _ كان اصغر الصحابة سنا_ وكان يحضر مجالس الصحابة وهو حسب تعبيرنا العصري _ مراهق_.

و زيد بن حارثة رضوان الله عليه يقود جيشا متوجها الى بلاد الروم وهو ذو الستة عشر ربيعا وفى الجيش عمر بن الخطاب و صحابة رسول اله رضوان اله عليهم أجمعين.

ومن تاريخنا الحديث هاهوالملك فيصل بن عبد العزيز يقود جيشا الى اليمن ليحمي الثغور من المعتدين وهاهو كذلك يذهب الهيئة الامم المتحدة ليلقي كلمة بلادنا وينتزع الإعجاب والتقدير .

والأمثلة كثيرة يضيق بها المجال فالأنظمة التعليمية الممطوطة _ زمنيا_ تلعب دورا هاما في بروز بعض المظاهر الاجتماعية الغريبة فابن السادسة عشره الآن هو طفل كبير وقليل من الشباب في هذه السن ترى فيه ملامح النضج والقدرة على تحمل مسؤولية نفسه فضلا عن قيادة جيش كما فعل أسلافه العظام ومن هنا تبرز الحاجة الى إعادة النظر بالمساحة الزمنية للمراحل التعليمية وهى أن مططت أو مددت في بلادها لأسباب سياسية ( لتخفيض أعداد العاطلين مثلا) أو اجتماعية تخص مصدريها وخصوصيتهم إلا أن واجبنا التنبه الى خصوصياتنا ووضعها في الاهتمام الأول.

نعود الى التعليم مرة أخرى من زاوية المناهج الدراسية فالمناهج وما تتضمنه من مواد عديدة لا تتفاعل مع اخطر قضية اجتماعية وهى قضية الزواج وهى في المجتمع العربي المسلم من أهم قضاياه .

فالتعليم العام وللأسف لا يكاد يناقش هذه القضية في برامجه ولا يتضمن المنهج الإعداد النفسي والتربوي لهذه الفريضة الجليلة وإذا تم نقاش القضية فبعض المواد يمر عليها مرور الكرام وليس هذا فحسب بل أن الشاب أو الفتاة يفاجأ وبعد سنوات غالية من العمر في التعليم العام انه من دون مهارات حقيقية قابلة للاستعمال في سوق العمل وبافتراض وجود فرصة ما هنا أو هناك فليس بينه وبين التعليم الذي تلقاه إلا علاقة يسيرة ومن هنا تبرز الحاجة الى تطعيم المراحل التعليمية بالعديد من المهارات المفيدة والتي تمكن الشاب أو الفتاة القيام بدور فعال في المجتمع والحصول على مورد رزق معقول يتكافأ مع الجهد المبذول والسنين الطويلة والسهر ” في طلب العلا”. فالنزعة التطبيقية ينبغي تعزيزها في المناهج كما أن التعليم ينبغي يؤهل الطالب أو الطالبة للقيام بدور مفيد ومؤثر في محيطه الببيىء والاجتماعي . ومن هذا المنطلق لا بد أن نعيد النظر في مناهجنا الدراسية كما وكيفا كما ينبغي كذلك أن نجعل من التعليم كأداة تنوير و حث على الزواج لا عائقا أو حجة للهروب منه كما ينبغي أن يكون الزواج حافزا على الإنتاج والإبداع في مجالات الحياة المختلفة اقتصادية كانت أم اجتماعية أو ثقافية ومتى كان غير ذلك فمسئوليتنا تقتضي أن نراجع خطواتنا وتصوراتنا وان تصحح مساراتنا حتى يكون كذلك.

قد يتطلب الأمر إعادة النظر الى المراحل التعليمية من ابتدائي ومتوسط وثانوية من ناحية الأهداف والوسائل

قد يتطلب الأمر إعادة الهيكلة التعليمية

قد يتطلب الأمر تزويد المدارس بالعديد من المعامل اللغوية والمهنية الخفيفة والمتوسطة

قد يتطلب الأمر تطبيق اليوم الدراسي الكامل

قد يتطلب الأمر تزويد المدارس بالوسائل التعليمية الحديثة من إنترنت وحاسبات وقنوات تلفازيه

ووسائط متعددة

قد يتطلب الأمر إعادة النظر في عدد أيام الدراسة وزيادة يوم إضافي

قد .. وقد .. الأمر متروك لرجال الفكر التعليمي وما أكثرهم للنظر في هذه القضية البالغة الحساسية.

ونعود كذلك الى موضوع دعم المتزوجين من الطلاب والطالبات وتشجيعهم عن طريق البدلات والمكافآت والتسهيلات من سكن أو علاج وخلافه فهو خير رسالة نوجهها الى من يهمه الأمر بأننا

مازلنا ندعم هذه الفريضة ما استطعنا الى ذلك سبيلا و أننا نحرص على إحصان شبابنا وبناتنا بكل ما نملك من إمكانيات ومقدرات وهى ولله الحمد وفيرة .

أما الإعلام فعليه دور مهم يتمثل بالتوعية والإرشاد والحث على الزواج بالأعمال الفنية الهادفة

وآلتي تحض على هذه الفريضة المهمة بالترغيب كما تناقش مشكلات الزواج بأسلوب يخلو من التصعيد والآثارة . فالنظر الى العديد من الأعمال الفنية المعاصرة تناهض الزواج و ترسم صورا إما مشوهة وبشعة منفرة أو ترسم صورا بالغة الرومانسية و غير واقعية فضلا عن عدم مواءمتها لظروفنا الاجتماعية المتميزة.

فعلى سبيل المثال لا الحصر تكثر الخلوات الغير شرعية بين البطل والبطلة ويشجع الأبطال على التمرد على قيم آباءهم وأمهاتهم بذرائع شتى كما تهاجم أنماط من الزيجات المقبولة شرعا تحت ذرائع واهية كتعدد الزوجات او فارق السن . كما أن تحريض الزوجات على الأزواج أو العكس شائع وذائع في العديد من الأعمال الفنية وغير ذلك كثير مما لا يتسع المجال لذكره فضلا أن الغالبية العظمى من الأعمال الفنية ترسم نمطية من الزيجات وآلتي تنسجم مع التصور الكنسي أو النصراني ولا تنطبق بأي حال على مجتمعاتنا وتصوراتها عن الزواج.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق